ما دفعني إلى كتابة هذا المقال هو ما حدث أثناء كتابتي للمقال السابق والذي استغرق مني أسبوعًا لأنتهي من كتابته ونشره، وليس السبب صعوبة الأمر بل لأنني لم أتوقف عن البحث والكتابة والتعديل، وكلما كدت أنتهي وجدت نفسي غير راضية.
أشعر أنّه ما زال هناك ما ينقص، ما زال بإمكاني إضافة المزيد فأقوم بعدها بالبحث عن معلومات أكثر والتأكد مما كتبته ثم التعديل، وهكذا.
ولولا أنني أخذت قرارًا حاسمًا أن أنشر المقال في موعد محدد لن أتراجع عنه مهما حدث ربما كنت ما أزال أكتبه حتى الآن وما كنت أنت تقرأ الآن هذه الكلمات.
هل جربت هذا من قبل في عملك؟ تبذل كل ما عندك لكنك تستمر في الشعور بوجود نقص وأنّه ما زال بإمكانك تقديم الأفضل؟
إنّه فخ المثالية، العائق الأكبر أمام تحقيق أهدافك ونجاحك.
ربما للوهلة الأولى يبدو معناها كما اسمها، مثالية، شيء رائع يود كل شخص أن يكون عليه لكنها ليست كذلك في تعريف علم النفس، بل هي إن تجاوزت حدها، أحد الاضطرابات النفسية.
يُعرف علم النفس الشخصية المثالية أنها سمة شخصية تظهر الرغبة الشديدة التي قد تصل إلى حد الهوس بتحقيق الكمال في كل ما يقوم به وتجنب القصور والعيوب في عمله وحياته، ويرافق هذا نقد شديد للذات وخوف من آراء الآخرين.
Photo by Vitolda Klein on Unsplash
نظرًا لكونها نوع من الهوس، والسعي وراء الكمال لن يُشعر الإنسان بالرضا أو السعادة فلا وجود للكمال.
بالإضافة إلى ما يصحبها من المشاكل والاضطرابات، ودائرة لا تنتهي من القلق والتوتر والاكتئاب والتسويف وقلة الإنتاجية وانعدام الرضا عن الذات.
ثم قد ينتهي هذا كله بحالة من اللامبالاة والتوقف عن محاولة التغير أو السعي للنجاح.
والشخصية المثالية أيضًا إحدى أنواع الشخصيات الموجودة في متلازمة المنتحل أو المحتال والتي يمكنك التعرف عليها أكثر من خلال هذا المقال:
متلازمة المحتال… كيف تستغلها بدل أن تستغلك هي؟
في الواقع يقول العلماء أن هناك أنواع ودرجات، لكن لنركز هنا على نوعين فقط:
وهذا قادر على التأقلم ويمكنه تطويع صفات الكمالية، يسعى بجدية نحو أهدافه متطلعًا نحو المكافآت التي سيجدها وشعور الرضا الذي سيصله مع تحقيق غايته.
Photo by Ashkan Forouzani on Unsplash
وهذا النوع هو السلبي والذي يعوق الحياة، ويظهر فيه بوضوح مخاوف الشخص من الفشل ويكون الأكثر عرضة للمشاكل النفسية والصحية المرتبطة بهوس السعي للكمال.
يمكننا أن نعدد بإيجاز سريع بعض المكتسبات الإيجابية التي تمكن أن تحققها لو كنت من النوع الأول:
*امتلاك حافز قوي يدفعهم لتحقيق إنجازات عالية في شتى المجالات.
هي سلوك مكتسب في رأي العلماء، تنتج من ضغط الأسرة أو المجتمع منذ الصغر.
رغبة الأهل في تفوق أولادهم وقد يصل الأمر إلى التعنيف في حالة أي تقصير منهم أو المدح الشديد كلما حققوا نجاحًا.
والضغط يمتد حتى إلى المدرسة وسلوك المعلمين مع الطلاب حسب أدائهم الدراسي.
كذلك ضغط المجتمع بمعايير النجاح من وجهة نظره والتي إن لم تتحقق فالشخص في نظر المجتمع فاشل، لم يحقق أي شيء يُذكر.
لذا ينتج داخلنا الخوف من الخطأ والقلق من أن يؤثر هذا من قيمتنا أمام الآخرين فيدفعنا إلى الرغبة في تحقيق كل شيء بشكل كامل ومثالي.
Photo by Jason Sung on Unsplash
هناك أعراض عديدة تدل على أنّك مصاب بالمثالية ومنها أنّك:
اضطرابات الأكل والصداع النصفي وإلى جانب القلق والاكتئاب كل هذا سيؤدي حتمًا إلى الإجهاد الدائم وضعف الإنتاجية.
وكل هذه النتائج المترتبة عليها لن تجعلك تصل أهدافك بشكل سريع وستتوقف كثيرًا في الطريق.
إذا كنت من النوع الثاني الذي يحتكر السلبيات هذه بعض الخطوات التي يمكن الاستفادة منها:
كما يقال دائمًا هو أول الحل، أن تنتبه لطريقة تفكيرك وتعترف بوجود المشكلة وأنها تصرف غير مرغوب تريد التخلص منه سيسهل حلها بالخطوات التالية.
هل هي رغبة في إثارة إعجاب الآخرين؟ أم إرضاء لوالديك وأهلك؟ أو ضغط المجتمع في رؤيتك مثاليًا.
حين تفهم الدافع تستطيع معالجة المشكلة أفضل، وتركز بعدها جهودك على تحقيق أهدافك لا هدر طاقتك في شيء لا طائل منه.
قم بتحييد هذا الشعور بالتفكير في مدى ضرره على نفسيتك وعلى وقتك وعلى علاقتك بالآخرين.
اقنع نفسك أنّه لا يوجد شخص مثالي في هذا العالم.
وجود متسع من الوقت أمام كل مهمة سيضع أمامك فرص للتسويف والتعديل المستمر، لذا ضع وقتًا محددًا واجبر نفسك على الالتزام به.
ولضمان أنّك لن تتهرب، ضع لنفسك مكافأة أو حدد عقابًا إن لم تلتزم بالموعد.
توقف عن مقارنة نفسك بالآخرين، لا أحد مثالي كما قلنا.
ارم العدسة المكبرة التي تنظر من خلالها للسلبيات وركز على رؤية الإيجابيات.
قلل من معاييرك العالية واخفض سقف توقعاتك.
توقف عن جلد ذاتك، فالخطأ والتقصير طبيعة بشرية.
كُف عن حساسيتك تجاه النقد وتعلم قبوله والاستفادة منه ما دام نقدًا بناءً.
الشخصية الكمالية هي شخصية مرهقة لصاحبها وللآخرين خاصة إن كان يعمل في فريق لذا من المهم جدًا إدراك سلبيات هذا الأمر وكيف يمكن أن يقف عائقًا كبيرًا أمام رغبة الشخص في التقدم والنجاح بحياته ويأخذ قرارًا حاسمًا للتخلص منها أو على الأقل تقليل سلبياتها والتمسك بالمزايا التي يمكن للبعض تحقيقها منها.
هل أنت شخصية مثالية أو تملك بعض صفاتها؟ أخبرنا كيف تجربتك معها وهل نجحت في التخلص منها أو تحييدها؟ شاركنا في التعليق.
ولا تنس مشاركة المقال مع صديقك المثالي.