لعنة قفلة الكاتب... عندما صمتت كُل الأصوات

لعنة قفلة الكاتب... عندما صمتت كُل الأصوات

 

في كل المرات التي تعرضتُ فيها لقفلة الكتابة كانت هذه الأخيرة أصعبها على الإطلاق. 

ليست المشكلة في الكتابة نفسها، المشكلة تكمن في صمت الأصوات داخلي.

تلك الأصوات التي لم تكن تتوقف، الصخب الذي كنت أعيشه بفضل أبطال قصصي، صمت تمامًا.

 

بطريقة ما، حدث انفصال تام بيني وبينهم، ليس أبطال روايتي الحالية فحسب والتي اضطررت لإيقافها لأجل غير معلوم، بل جميعهم. كل أبطالي حتى الذين كانوا يتصارعون للخروج ولا يطيقون الانتظار حتى يحين دور روايتي لقصصهم الخاصة.

مشاهدهم التي كانت تطاردني طيلة الوقت، أحاديثهم التي لا تتوقف، مشاعرهم التي تعبث بي وتجبرني على العيش معهم كل لحظاتهم، حتى أثناء انشغالي في حياتي العادية كانوا هناك في الخلفية، جزءًا مني، حياة أخرى صاخبة في داخلي.
الآن…

كل هذا توقف، خواء وصمت.

 

************************ 

 

متى بدأ كل هذا؟

 

لا أذكر بالضبط أين كانت البداية، هناك مقدمات لا شك، حالة ربما بدأت ببعض الضغوط ثم تفاقمت إلى أن وصلت إلى هذه النقطة.

بدأت الأصوات تتشتت وقدرتي على استدعاء المشاهد تقل، وتضعف معها ثقتي في قدرة قلمي على إخراج المشاهد على الورق بصورة جيدة. لم أعد واثقة فيما أكتب.

ثم كان الصمت النهائي.

قبل أشهر كنت في تقاطع طرق، نقطة مصيرية من حياتي وكان عليّ الاختيار بين ترجيح كفة إتمام روايتي والنجاح في عبور ذلك المنعطف الخطر، ولم يكن هناك مجال لأنحاز للخيار الأول.

لذا ما فعلته كان إجبار نفسي على التوقف بعد صراعات طويلة معها ومع الأصوات في عقلي، كان عليّ إسكاتهم وإجبارهم على التراجع في الخلفية لأتمكن من تجاوز المشكلة الأكبر.

كان عليّ إزاحتها لأتفرغ للكتابة كُليًا وأعود للثقة في قلمي من جديد، كان عليّ التوقف عند تلك النقطة إن أردت النجاة لروايتي والأهم نجاة عملي ككاتبة.

كانت نقطة فاصلة ولهذا أجبرتهم على السكوت.

 

 

************************ 

 

 

ماذا كانت النتيجة؟

 

 

النتيجة كانت أن صمتت كل الأصوات ولم تعد حتى اللحظة، بدا وكأنّهم خاصموني بعد أن أدرت لهم ظهري ولن يعودوا بسهولة.

 حاولت الكتابة مرارًا، لا أعاني في كتابة الخواطر العادية أو المقالات لكن خيالي الروائي وأصوات أبطالي يرفضون العودة.

بعد أن كنت أعاني من تسلطهم على حياتي، خاصة إن كنت مشغولة بكتابتهم، صرت أعاني الآن لأعيدهم إليّ.

بعد أن كانت مشاهدهم تتحرك في مخيلتي وأمام عينيّ وتسري فيّ كحالة من الحُمى، أو الحكة المزمنة، ترفض الزوال حتى أخرجهم على الورق، صرت أتوسلهم العودة بأي طريقة.

تحايلت عليهم وتعاملت مع الأمر كأي قفلة كتابة عادية ستزول حين أجبر نفسي على الكتابة لكن النتيجة كانت أن خرجت المشاهد مبتورة مشوهة، لم أشعر بحياة فيها ولم أرض عن أي منها وفي النهاية نالت الحذف.

كثرت محاولاتي ولم يعد أمامي سوى الاعتراف بفشل هذا الحل.

 

************************ 

 

 

ماذا أفعل حاليًا لاستعادتهم؟

 

كتابة القصص حالة مزاجية، وطالما انفصلت عن أبطالي ومشاعرهم لن أستطيع كتابة حكاياتهم كما يجب. 

لن أستطيع التعبير عن صراعاتهم ومشاعرهم وإيصالها للقراء كما أحب وكما أتخيلها وأشعرها تمامًا.

لذا كان عليّ البحث عن حلول أخرى.

ماذا قررت إذن؟

قررت استدراجهم بالحيلة، لن يُجدي نفعًا معهم وقوفي على باب الخيال الذي أغلقوه أطرقه بالقوة ليفتحوا لي. لا خيار إذن سوى تجربة اللين وإعادة إذكاء شعلة الخيال من جديد.

 

 

 

لذا ما أفعله الآن أشياء عدة؛

 

 عدت لمراجعة روايتي من بدايتها، ومعها أيضًا أعمالي التي انتهيت من كتابتها ونشرها، لأستعيد تواصلي مع كل أبطالي. بدأت أوقظهم من جديد وأوقظ معهم حماسي للانتهاء من قص حكاياتهم ومنحهم النهايات التي يستحقونها. 

فتحت درج الكتابة المغلق، وعدت أقرأ مخططات واقتباسات حكاياتي المؤجلة، ذكرت نفسي بها وكيف كانت تلح عليّ طويلًا، ذكرت نفسي بأبطالها وكيف كنت متشوقة للحظة التي سيخرجون فيها للنور، أعدت الترحيب بهم ووعدتهم أن ينتظروا قليلًا بعد.

 

 

ولأن للصور سحرها ودورها في تحريك الخيال، كان لا بد أن تكون إحدى الحلول، لذا صرت أقضي بعض الوقت يوميًا في تصفح حسابي على بنتريست ومراجعة اللوحات التي أعددتها لرواياتي والصور التي اخترتها مسبقًا لأبطالي ولبعض الأحداث والأماكن كأقرب ما تكون لخيالي.

 

وكما في كل مرة أتعثر فيها ويعوزني الإلهام، يساعدني كثيرًا مراجعة التصاميم والفيديوهات التي قام قرائي بصنعها للرواية وقراءة مراجعتهم النقدية لكل فصل من الفصول التي كتبتها. إعادة قراءتي لكلماتهم وتذكر تفاعلهم مع الأحداث تعيدني من جديد لتلك الفترة التي كنت متحمسة فيها وغارقة في غمار أحداث الرواية.

تذكرني لماذا بدأت ولماذا عليّ مواصلة الطريق حتى النهاية.

 

 

 

هل هناك أمل في عودة قريبة؟

 

كل الحلول التي أستخدمها بدأت تؤتي ثمارها والحمد لله، لذا أنا واثقة أنّه خلال الأيام القليلة القادمة بإذن الله ستكون المشكلة قد انتهت تمامًا وعادت الأصوات كلها وعاد خيالي لسابق عهده.

لذا أنا مدينة باعتذار وشكر بالغ لكل قرائي الذين ما زالوا حتى اللحظة مستمرين في دعمي والدعاء لي بالتوفيق وفي انتظار عودتي أنا وأبطالي، شاكرة وممتنة لتفهمهم ولدعمهم وآمل عن قريب أن أعود إليهم بالكثير والكثير من الحكايات التي أرجو دائمًا أن تلامس قلوبهم وتترك أثرًا لا يُنسى في أرواحهم.

 

************************ 

 

 

 

كتابة
التعليقات | 0 المشاهدات | 577 التقييمات |