أشياء وددت لو عرفتها قبل أن أبدأ الكتابة (الجزء الثاني)

أشياء وددت لو عرفتها قبل أن أبدأ الكتابة (الجزء الثاني)

 

استكمالًا لقائمة الأشياء التي وددت معرفتها قبل أن أبدأ رحلتي مع الكتابة، لكنني تعلمتها أثناء الرحلة لذا فهي في الوقت ذاته نصائح لمن قرر أن يبدأ نفس الرحلة.

وإذا كنت لم تقرأ بعد الجزء السابق من هذه القائمة فيمكنك استكمال القراءة أو الرجوع أولًا للمقال الأول عبر الرابط التالي

أشياء وددتُ لو عرفتها قبل أن أبدأ الكتابة




(1) الإلهام لا يأتي من نفسه.

 

لا أقدر عدد الأيام التي ضاعت دون أن أكتب حرفًا، فقط في انتظار الإلهام.

الإلهام ضيف غير متوقع ولا يجب أن تعلق آمالك وعملك عليه لأنّه سيبخل بزيارتك، الإلهام لا يأتي إلا إن أحضرته بنفسك.

الكتابة نفسها أفضل وسيلة لخلقه، حين تجلس أمام أوراقك البيضاء وتبدأ في كتابة أيًا كان ما يخطر ببالك دون تحضير ودون الاهتمام حتى بمدى رداءة النص ستجد أفكارك تنساب تلقائيًا.

ستبدأ مخيلتك في العمل دون توقف، وستجد الإلهام دون أن تشعر قد حل ضيفًا عليك.

هناك طرق أخرى لاستدعائه سأخصص لذكرها مقالًا قادمًا بإذن الله، المهم لا تخطئ مثلي وتضيع أيامك في انتظار هبوط الوحي والإلهام.



 

********************

 

(2) بين الفوضى والانضباط.

 

الكتابة تحتاج إلى الانضباط، أن تتيح لها وقتًا معينًا في يومك، تجلس فيه يوميًا لتكتب، تلزم نفسك به وتؤكد على نفسك ومن حولك مدى أهمية الأمر.

لكن احذر…

انضبط والتزم بجدولك لكن دون كثير من الضغط، وإلا ستحول عادة الكتابة إلى إلزام خانق للنفس وواجب ثقيل.

أنا أخطأت في هذا ومررت بوقت عصيب تحولت معه الكتابة إلى ضغط نفسي مرهق وواجب ثقيل أحتاج للانتهاء منه فقط لأنني مُلزمة أمام قرائي.

العقل البشري بارع في التهرب من الضغوط لذا سرعان ما يدفعك إلى التسويف والتهرب من العمل الثقيل وهذا سيلقي بك في دائرة مغلقة، مكررة من الضغط والتسويف والندم.

لذا كن مرنًا…

لا بأس ببعض الفوضى، التزم بعادة الكتابة دون تحويلها لجلسة خانقة، اخلق روتينًا ممتعًا لنفسك.

الكتابة كائن حر، تميل للفوضى وتتهرب منك في أحيان كثيرة، تتأثر بأي تغير في مشاعرك، وترفض حبسها في قفص خانق.

لذا وازن بين الأمرين، الزم نفسك بوقت محدد تكتب فيه كل يوم وأعد البيئة التي تجعلك تستمتع بتلك الجلسة.

لا تنس التزاماتك مع قرائك لكن لا تجعلها تضغط عليك فتجد نفسك إما قد خذلتهم بعجزك عن الكتابة أو بتقديمك عملًا خاليًا من روحك فتخسرهم في نهاية المطاف.



******************

 

(3) الاحتراق الوظيفي (Burnout)

 

وهذه النقطة تتبع تحديدًا سابقتها، ولها علاقة بها. قد يحدث الاحتراق نتيجة الضغط أو الاستغراق لوقت طويل في الكتابة دون أن تمنح نفسك فرصة للراحة، تدفع بعقلك ونفسك إلى نقطة الاحتراق وتستنفد كل ذرة منهما.

تجد نفسك في النهاية عاجزًا عن كتابة حرف، عاجزًا حتى عن تخيل مشهد أو فكرة واحدة، تشعر بمرارة أحيانًا ومرات باختناق ومرات بشعور يشبه الاكتفاء والتشبع لدرجة الغثيان ورفض المزيد.

 

وهذه الظاهرة لا تخص الكتابة فقط بل بأي نشاط إبداعي وربما كافة نشاطات الحياة، أي عمل ستمارسه بلا توقف ودون راحة سيحدث لا محالة أن تصل فيه لنقطة الاحتراق والرغبة في التوقف لوقت طويل.

لا تسمح لنفسك بهذا.

كن مرنًا كما قلت، امنح نفسك الوقت للراحة ولا تجعل وقتك كله مضغوطًا بالكتابة والالتزامات. خذ فاصلًا بين فترات الكتابة، وإجازة كل بضعة أيام وإجازة شهرية من الكتابة وفاصلًا من الراحة بين كل رواية وأخرى.

ولا تنس أن تغذي عقلك بما يشحذ دائمًا شعلة خيالك وإبداعك، ويجعلك متحمسًا للعودة إلى الكتابة كل مرة تنقطع بها للاستجمام وإعادة الشحن.



 

(4) احذر الوقوع في فخ المثالية

 

أكبر خطأ قد تقع فيه هو الرغبة في كتابة نص مثالي يخلو من العيوب والأخطاء، وصدقني هذا لن يحدث.

إن انتظرت أن يكون نصك الأول مثاليًا فهذا لن يذهب بك لأي مكان. لن تنتهي من كتابة مشهد واحد أو حتى بضعة أسطر، ستظل تحاول التحسين من كلماتك والتعديل في النص دون توقف.

المثالية فخ، حاذر أن تقع فيه، ليس في الكتابة وحسب بل في أي مجال آخر. لا أحد كامل ومثالي.

بالمثل، النص الذي تكتبه لن يخرج من أول مرة بغير عيوب. لا تهتم، واصل الكتابة فقط.

كما قلت في المقال السابق، أن المسودة الأولى ستحتاج الكثير من التعديلات والحقيقة أنّ أي نص تكتبه حين تعود لزيارته بعد فترة لن تشعر بالرضا عنه، ستقوم بتعديله وإن تركته وعدت إليه بعد أيام أو أشهر ستراه يحتاج لتعديل جديد.

ربما لو سمحت لنفسك لاستمر هذا إلى ما لا نهاية. 

لذا تَفّهم أنّه لا بأس أن يكون نصك الأول سيئًا، تسامح مع نفسك ولا تغضب، ولا تغصب الكلمات حتى تطاوعك. 

اكتب واكتب دون توقف للمراجعة، اترك النص لفترة ثم عد إليه وابدأ في التعديل.

وإن كنت تكتب رواية، فلا تقم بالتعديل أثناء الكتابة.

انته منها ثم اتركها لفترة وعد لقراءتها كاملة وقم بعدها ببدء عملية التنقيح والتعديل. ربما تحذف مشاهد أو حتى فصولًا كاملًا، وربما تضيف أخرى. تحذف شخصيات أو تضيف جديدة حسبما يتراءى لك.

**********************

 

 

(5) أصابعك لا تشبه بعضها… القراء كذلك.

 

تجربتي مع الكتابة خاصة مع الروايات الإلكترونية والمنتديات جعلتني أصل لقناعة، ما دمت قد قررت الخروج إلى الساحة فتوقع لقاء أنواع مختلفة من البشر.

كن مرنًا لأنّك حتمًا ستقابل أنواعًا لا تسرك من القراء.

هناك بالطبع القارئ الداعم المحب لقلمك، يدعمك ويتفهم ظروف انقطاعك ويعرف أنّ الكتابة عمل شاق وفي نفس الوقت إبداعي معرض للتوقف مع الضغوط التي قد يتعرض لها الكاتب.

ستقابل نوعًا آخر على النقيض التام، هذا القارئ لن يتفهم ما تمر به، ربما يحتمل مرة، اثنتين، لكن لن يواصل انتظار خروجك من قفلة الكتابة أو أيًا كان ما تمر به، سيرى أنّك مُلزم أمامه بمواعيد حددتها بنفسك ورواية وعدته بقراءتها بانتظام وحتى نهايتها.




 

وعلى صعيد النقد، هناك قارئ ينتقد باحترام ورغبة في مساعدة الكاتب وهناك من يسيء استخدام النقد عمدًا أو دون قصد.

هناك من يقرأ بصمت ويخجل من التفاعل وإبداء الرأي، ومن يدعم ويُشجع وهناك أيضًا من يصمت بخلًا وتكابرًا عن تقديم أي دعم للكاتب.

وهذا النوع الأخير، كثيرًا ما يغادر بوتقة صمته في حالة واحدة فقط، تأخر الكاتب في الفصول التي وعد بها أو تغيبه لأي عذر أو أي تقصير من جانبه.

في رأيه أنت ملزم بتقديم الفصل في موعده وهو غير ملزم بشيء. 

هناك القارئ الذي يقرأ بتعمق ويغوص في تفاصيل العمل ويحلل دون تحامل أو رأي مسبق في شخص الكاتب ونواياه، وهناك من يضع نفسه مكان الشخصيات ويبدأ في الاعتراض والرفض، وأي شيء في الحبكة يحوله إلى شخصنة ويقيم حروبًا مع الكاتب ومن لا يوافق رأيه.

ستقابل الكثير والكثير خلال رحلتك لذا كن مرنًا قدر استطاعتك واعرف أنّك لن تستطيع إرضاء الجميع.

تفاعل مع قرائك وافسح المجال للنقاش بحرية لكن لا تسمح بالتجاوز في حقك وفي شخصك.

لا تدخل حروبًا تستنزف طاقتك وركز في كتابة قصتك التي تحب.

 

*******************

 

ما زال هناك الكثير مما تعلمته أثناء رحلتي مع الكتابة وتمنيت لو أني عرفته قبل أن أبدأ لكن لنكتفي بهذا القدر الآن.

الكتابة رحلة طويلة كن مستعدًا لتعلم الكثير خلالها، فلا تتوقف عن التعلم ولا تتوقف عن الكتابة ومشاركة أفكارك وتجاربك مع الآخرين.

وفي النهاية وكالعادة، أرجو لك رحلة كتابية ممتعة.

*********************

 

 

كتابة
التعليقات | 0 المشاهدات | 553 التقييمات |