حالنا مع غزة… بين احتراقنا النفسي وواجبنا الحقيقي.

حالنا مع غزة… بين احتراقنا النفسي وواجبنا الحقيقي.

 

كل الكلمات باهتة ولا معنى لها مقابل ما يجري منذ أكثر من شهر في غزة وحتى هذه اللحظة، مهما كان ما سنكتبه ونقوله لا يزن شيئًا في ميزان الواقع.

لكننا مع هذا مُلزمون بالكتابة والحديث، ملزمون بالحراك ولو بأقل القليل مما نملك.

تأخر هذا المقال كثيرًا، كان من المُفترض أن يُكتب منذ بداية الأحداث ولكنني تأخرت لأنني وقعت في فخ ما سأتكلم عنه هنا ولم أستطع تدارك الأمر باكرًا.

منذ دارت رحى الحرب ومعظمنا وقع أسير تلك الدائرة، توقفت الحياة عندي كما حدث مع الكثيرين.

لأيام لا أفعل شيئًا سوى متابعة الأحداث، تعتصر قلوبنا ويملأنا الألم والشعور بالعجز، ما بين متابعة الأخبار والفيديوهات والصور القادمة من غزة.

بات أقل شعور بالحياة داعيًا للشعور بالذنب، كثيرون اشتكوا من عدم قدرتهم على فعل أي شيء آخر في حياتهم حتى توقفوا عن العمل والدراسة وتسيير أمورهم الحياتية.





لكن هل هذا أمر جيد؟

لنفكر هل ما نفعله  هذا يخدم فلسطين والأمة أم يزيد الضرر.

أولًا لنتفق أنّه (لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها)

أهل غزة هذا قدرهم وابتلاؤهم وعلى قدر البلاء يمنح الله الصبر والقوة وما رأيناه من صبرهم على هذه الأهوال التي لا يطيقها بشر يقول أنّ معية الله تحوطهم وأنّ الله ينزل سكينته ويمدهم بمدده.

ووصفنا لصبرهم وصمودهم لا ينزع عنهم صفة البشرية ولا يحيلهم أبطالًا خارقين ولا يجب أن نظن بهم هذا، هم يتألمون ويتوجعون وتحترق قلوبهم كما لا يمكننا التخيل لكنهم صابرون محتسبون.

لا أحد منا قادر على الصبر بهذه الطريقة، وليس مطلوبًا منا أن ننغمس بخيالنا لنعيش ابتلائهم ونتخيله على أنفسنا.

 

 

هل هذا يعني أن لا أشعر بآلامهم وأتجاهلهم؟

 

لم يقل أحد أنّ علينا التجاهل، 

التجاهل هنا خيانة وخذلان، التجاهل وعدم التألم لألمهم يعني نقصًا في عقيدتنا وإيماننا الذي يجعل المؤمنين لبعضهم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحُمى*

ما ليس مطلوبًا منا هو الغرق في الاكتئاب والتأثر المرضي بالأحداث، ليس مطلوبًا منك تخيل نفسك وأطفالك مكانهم، التخيل إلى درجة أن يصيبك المرض.

ليس مطلوبًا منك قضاء يومك كله في مشاهدة القصف والدمار والأشلاء ثم الانهيار نفسيًا.

ليس مطلوبًا منك ترك مهامك وواجباتك وتنهار تاركًا مسؤولياتك تجاه نفسك وأهلك وأمتك كاملة.

***************

 

 

جسدك لا يفرق بين الواقع والخيال وما يراه على الشاشات لذا يتفاعل وينتج عن ذلك آثار مرضية مثل الخوف والقلق، صعوبات في النوم، الكآبة والشعور بالذنب وزيادة الحساسية والعصبية.

كل هذا سيؤدي إلى الاحتراق النفسي والذي في النهاية سيعرضك للاكتئاب والإحباط أو إلى حالة من التبلد واللامبالاة ثم الابتعاد التام عن كل ما يتعلق بالقضية نتيجة الشعور باليأس من حدوث أي تغيير. 

ما يحدث معنا باختصار هو أننا ابتعدنا عن دائرة التأثير في حياتنا حيث يمكننا إحداث التغيير ودخلنا دائرة أخرى لا قدرة لنا على التغيير فيها لذا نُصاب بالعجز والإحباط.

والحل الطبيعي هو العودة لدائرة التأثير، لكن قبل العودة إليها علينا التصرف بوعي تجاه الأحداث وأن نوازن في التعامل معها دون إفراط أو تفريط.

****************** 

كيف نتابع الأحداث الحالية دون أن تؤثر علينا سلبًا؟

 

هذه بعض النصائح لتجنب الإصابة بالاحتراق النفسي أثناء متابعة الأحداث:

*متابعة الأخبار على فترات

ويُفضل الالتزام بمصدر واحد أو اثنين تجنبًا لتكرار الأخبار والمشاهد، وأيضًا تجنب مشاهدة الأخبار ما أن تستيقظ من النوم أو قبل الخلود إليه.

هناك أخبار أخرى تبعث على الأمل فلا تتابع فقط أخبار القصف الهمجي بل تابع معها أخبار انتصارات المقاومة ووازن بين الأمرين ولا تتطرف بين الإحباط والأمل.

 

*قلل من تعرضك للمحتوى العنيف
إن كنت من الأشخاص الذين يعانون بشدة كلما رأوا مشاهد الشهداء والدمار حاول تجنبها، لن تفيد القضية بشيء إن تحطمت نفسيًا ولم تعد قادرًا على المشاركة في الدفاع عنها.

 

*عبر عن غضبك ومشاعرك

ولا تراكم الألم في داخلك حتى لا تنهار أو تتحول إلى النقيض وتُصاب بالتبلد والفتور تجاه القضية.

 

*تجنب الجدال 

لا تحاول الدخول في جدالات ومعارك جانبية لا تخدم القضية. عبر عن رأيك وناقش الآخرين لكن لا ترهق نفسك في النقاش عديم الجدوى.

 

*سامح نفسك واعترف ببشريتك وعجزك

لا بأس من التسامح مع هذا الشعور فنحن بشر في النهاية، ما دمت تفعل ما بوسعك في النطاق الذي يمكنك التغيير فيه

إن كان باستطاعتك المساعدة بشيء ولم تفعل فأنت هنا مُقصر.

إن كنت كاتبًا ولم تستغل قلمك في الدفاع عن القضية والتعريف بها ونصرة إخوتك فأنت مقصر.

إن كنت صانع محتوى أو مؤثر ولم تستغل مكانك لتنصر القضية فأنت مُقصر.

***************

 

لم أعد أتأثر بما يحدث كما في بداية الحرب، هل أنا هكذا لم أعد أهتم؟ هل هكذا أخون القضية؟

 

إن كنت تمر بهذه المرحلة فلا داعي للقلق أو الشعور بالذنب، هذه طريقة دفاعية من جسدك لحمايتك من الألم والآثار النفسية وهذا يختلف من شخص لآخر، هذا لا يعني أبدًا أنّك تخليت ولم تعد تهتم بما يحدث لإخوتك.

هذه حرب بدأت من قبل النكبة وما زالت مستمرة ولن تتوقف حتى التحرير الكامل لذا عليك الاستعداد نفسيًا أنّ المعركة ربما تطول حتى لو تم وقف إطلاق النار.

الحرب مستمرة، والقضية مستمرة.

وهذه الحرب لا تحتاج لانفعال وقتي تأثرًا بما يحدث ثم التوقف نهائيًا ما أن يتم وقف إطلاق النار والنسيان والانشغال عن القضية من جديد.

أن تحارب وتدعم القضية بوتيرة ثابتة ونفس هادئة وعزيمة، أفضل من الثورة الوقتية ثم التخلي التام.

 

***************

 

 

ماذا يمكننا أن نفعل لتنصر القضية؟

 في داخل دائرة تأثيرك أنت قوي ويمكنك العمل بشكل أكبر، يمكنك زيادة الوعي وخدمة القضية بشكل أفضل.

في داخل دائرتك أنت تملك الأدوات وتستطيع فعل الكثير.

وهذا بعض ما يمكنك العمل من خلاله:

 

*الدعاء

 

"لا نملك لكم إلا الدعاء"

جملة نرددها كثيرًا ونقولها كلنا لإخوتنا في غزة، لكن لا تقلها بضعف واستهانة.

لا تستهن بقوة الدعاء، لا تستهن بذكر الله واليقين بالنصر ولا تستهن بسهام الدعاء وقيام الليل.

ولا تقل أن الله لن يستجيب لي وأنا مقصر في عبادتي وعلاقتي به، اعتبر هذه بداية الإصلاح والتغيير.

تقرب من الله، صل وادع وكن على يقين باستجابته سبحانه وتعالى.

 

*الوعي بالقضية

اقرأ وتعلم ثم علم أولادك ومن حولك ومن في دائرة تأثيرك، أوصل الرسالة للعالم.

لسنين والعدو يعمل على نشر روايته الخاصة ويجيد تقديم نفسه على أنّه الضحية في صراعه معنا.

لا يمكنك تخيل كم البشر الذين يظنون أن فلسطين أرض العدو وأننا نحن الدخلاء الإرهابيون الذين يحاولون طرده منها.

تعلم تاريخ فلسطين والصراع بأكمله لتستطيع الرد على أكاذيبهم والدفاع بحجة قوية وثابتة وعن وعي وإدراك لا عن تعصب واندفاع قد يضر القضية أكثر مما يخدمها.

وكلنا رأينا مؤخرًا كيف بدأ العالم يسمع ويفهم الحقيقة رغم كل محاولات التعتيم وتكميم الأفواه وغلق المنابر المدافعة عن قضيتنا، فاستغل الفرصة وشارك بدورك في كشف غمام الكذب عن أعين المقربين منك ثم العالم كله.

 

*تصحيح العقيدة

بالنسبة لي قضية فلسطين هي قضية عقيدة في المقام الأول وهذا لا يتعارض مع كونها عربية وإنسانية لكل من يقف مع الحق في العالم.

بمعنى أننا نملك حقًا مضاعفًا وواجبًا أكبر بصفتنا مسلمين ولو تخلى العالم بأكمله ولو تنازل حتى أهل فلسطين والأمة العربية سيبقى هذا واجبًا على المسلمين في كل العالم.



 

لأن فلسطين والقدس جزء ثابت في عقيدتنا ومن يعرف دينه جيدًا يعرف هذا، ويعرف أن تحررها كما حدث في كل مرة في تاريخها لم يحدث إلا بعودتنا لديننا والتماس سُنن النصر التي أخبرنا بها الله.

لم نصل إلى هذه النقطة المؤلمة من تاريخنا ولم نصبح غثاء سيل لا تأثير له ولا صوت ولا قوة في ميزان العالم إلا لأننا بعدنا وتخلينا عن ديننا وفرغناه من جوهره وقوته وجعلناه مجرد مظاهر باهتة لا عمق لها في قلوبنا.



*المقاطعة 

 هذا سلاح فعال، متاحٌ في أيدينا، ومخطئ من يظن أنه غير مُجد… والحاجة الآن للمقاطعة أشد ضرورة من السابق، بعد أن اتضح للجميع أننا لا شيء في ميزان القوى العالمية وأنّهم لا يرون فينا إلا شعوبا تحقق لهم مصالحهم الاستعمارية والاقتصادية.

رأينا كيف يتحكمون فينا ويكممون أفواهنا وإرادتنا بعد أن حولونا إلى شعوب مستهلكة لا قيمة لها.

 

 

لا تظن أنّك لن تؤثر بمشاركتك، معظم النار من مستصغر الشرر فلا تستهن بقدرتك على صنع فارق.

المقاطعة لا تعني فقط التوقف عن شراء بضائعهم بل استبدالها بمنتجات وطنك وتشجيع صناعة بلدك وهذا سينعكس بالضرورة على اقتصادنا وربما تكون هذه بداية تحررنا من تحكمه الاقتصادي بنا.

المقاطعة لا تعنى فقط مقاطعة بضائعهم بل على نطاق أكبر يجب أن تكون مقاطعة لكل ما يرد إلينا منهم من أفكار وتعاليم تعارض ديننا وقيمنا.

كفانا انبهارًا زائفًا وتشربًا لقيم لم تزدنا إلا انحدارًا وهزيمة.



*حارب في ثغرك

ليس أهل غزة وفلسطين فقط من يقف في المعركة، كلٌ منا يقف على ثغر حتى وإن لم يكن قد أدرك هذا بعد.

أنت واقف على ثغر وعليك حمايته والتأكد أنّ الهزيمة لن تأتي من ناحيتك، أنت في ثغرك قوي وتملك التأثير.

حارب في نقطة قوتك واستغلها في نصرة قضيتك وأمتك، لا تكن نقطة ضعف تؤتى من قبلها الأمة.

 

 

إن لم تكن قادرًا على نصرة إخوتك بالمواجهة المباشرة معهم فأنت بيدك نصرتهم بألا تترك مكانك.

أن تقوم بواجبك وتستغل إمكانياتك في النُصرة.

إن كنت كاتبًا فخصص جزءًا من عملك في الكتابة عن القضية والتعريف بها وإزالة الشبهات والأكاذيب التي روج لها الاحتلال.

إن كنت تعرف لغة استغل هذا في إيصال الرسالة للعالم، وإن كنت لم تتعلم لغة فافعل، ساهم في ترجمة الفيديوهات والأفلام الوثائقية والمقالات التي تتكلم عن القضية.

إن كنت رسامًا أو مصممًا فاستغل موهبتك في التوثيق وتوصيل القضية لمن ما زال يجهلها.

لا تتخل عن ثغرك ولا تقلق بشأن حماية الثغور الأخرى فعليها محاربوها، يمكنك فقط أن تنبههم إليها إن لم يكونوا لم يدركوا مهتهم بعد.



*****************

 

*التبرع بالمال والوقت

 ابحث عن المصادر الموثوقة وتبرع بالمال قدر استطاعتك لتقديم المساعدات الإنسانية والطبية التي هي واجب علينا تجاههم، وتبرع بوقتك أيضًا في استخدامه في نصرة القضية وإبقاء نارها مشتعلة بكافة الوسائل التي تملكها والقيام بدورك المنوط بك.



**********

 

غزة منذ سنين وحتى اللحظة تحارب عنا جميعًا، هي سيفنا المسلول والصامد في وجه العالم الاستعماري كله، لذا كُلنا سنُسأل إن تركناها وحدها.

سنُسأل كُلنا ماذا فعلنا لنصرتها، لذا اعمل ما عليك وحارب في ثغرك ولا تتراجع، اعمل ما عليك لتعد الجواب على هذا السؤال يوم القيامة.

*****************

 

إن أفادك المقال فساعدني في نشره وإيصال الرسالة للغير علّنا نؤدي بعضًا من واجبنا تجاه فلسطين وأمتنا كلها.

وشاركني برأيك في التعليقات، ماذا يمكنك أن تقترح أيضًا للمساعدة في نصرة القضية؟ 

تطوير ذات
التعليقات | 0 المشاهدات | 576 التقييمات |