هل حدث مرة وفكرت في تأجيل مهمة يتوجب عليك القيام بها؟ هل حدث وحاولت البدء في عملك لكنّك وجدت صعوبة واستسلمت؟ هل حدث ورغبت في تعلم مهارة أو لغة أو انجاز هدفٍ ما ثم تراجعت وفكرت أنّك ستفعله في الغد أو اليوم الذي يليه؟
بالتأكيد حدث. يحدث معنا جميعًا، ويحدث كثيرًا وكل يوم. إنّها مشكلة عامة يعاني منها معظم الناس على اختلاف جنسياتهم وأعمارهم.
في هذا المقال سنتعرف على مشكلة التسويف وأسبابها وخطوات بسيطة لحلها.
ما هو التسويف؟
التسويف هو تأخير أو تأجيل الأعمال والمهام إلى وقتٍ متأخر ودون عذر حقيقي مقبول، واختلاق الأسباب لتأجيلها، وفي العادة يهرب الشخص إلى أنشطة أخرى يجد فيها المتعة والراحة، ومع الوقت يتحول الأمر إلى عادة سيئة تتسبب في تضييع الوقت، وتحول دون تحقيق الأهداف والشعور الدائم بالذنب والخوف وانعدام الرضا عن النفس.
أسبابه
يميل الإنسان عادةً إلى التهرب من المهام الثقيلة ولا يحب الشعور بالواجب والقيود .. الإحساس الدائم أنّ هناك عبئًا يجب القيام به يسبب شعورًا بالثقل والألم، ويتدخل المخ في هذه الحالة ليقوم بحماية الإنسان من هذا الألم، ومن أجل هذا يبرع في إيجاد المبررات واختلاق الأعذار والحجج لتأجيل القيام بهذه المهام الثقيلة على النفس. أضف إلى هذا رغبة الإنسان الدائمة في تحقيق الفوز القريب وفي الغالب تكون الواجبات المهمة هي تلك التي لا تحقق ربحًا إلا على المدى البعيد وبالتالي فهي لا تحقق ذلك الإشباع الفوري والقريب الذي يبحث عنه الإنسان، وأحيانًا أخرى يكون السبب هو الخوف ... الخوف من الفشل ... الخوف من السخرية والتعنيف من الآخرين ... عدم ثقة الفرد في قدراته واستطاعته إنجاز مهامه بنجاح.
********************
خطورة التسويف:
التسويف لص الوقت والنجاح وكما سبق وأشرنا هو آفة وعادة سيئة للغاية يترتب عليها الكثير من العواقب مثل:
ضياع الوقت
يقول الحسن البصري «يا ابن آدم إنما أنت أيام؛ فإن ذهب يومك ذهب بعضك» وهذه حقيقة .. يمضي العمر واليوم الذي يذهب لا يعود من جديد، ولهذا من أسوأ النتائج المترتبة على عادة التسويف ضياع الوقت الثمين وإهدار العمر دون تحقيق أي إنجاز حقيقي في حياتك.
تراكم المهام
«لا تؤجل عمل اليوم للغد» قول نسمعه ونردده دائمًا لكن ليس جميعنا ينفذه. نؤجل الأعمال لليوم الذي يليه فينضم عمل اليوم إلى عمل الغد ثم الذي يليه، لتتراكم علينا في النهاية الكثير من الأعمال والمهام التي يتوجب علينا القيام بها.
الشعور الدائم بالقلق والتوتر
أنت لا تنفذ المهام المطلوبة منك لكنّك مع هذا تظل محاصرًا بتأنيب الضمير والإحساس الدائم بالذنب والقلق .. وهذه مشكلة في حد ذاتها إذ يدفعك هذا الشعور كما قلنا إلى مزيد من التهرب والتأجيل، لتجد نفسك تدور في دائرة مفرغة.
التقليل من التركيز وزيادة التشتيت
استسلامك للملهيات والمشتتات التي يخترعها عقلك يزيد من ترسخ هذه العادة ويزيد من الضغط النفسي والعقلي فيقلل من قدرتك على التركيز والاستيعاب.
يؤثر سلبًا على حياتك المهنية
تأخرك في أداء المطلوب منك في عملك وقلة إنجازك سيؤثر بالطبع سيفقدك الكثير من تفوقك وتقدمك الوظيفي ومصداقيتك أمام رؤسائك ورفاق عملك وربما أدى لخسارتك لعملك في النهاية.
يقلل من تقديرك لذاتك
سيدفعك التسويف وتأجيل الأعمال إلى الشعور الدائم بعدم الرضا عن نفسك ويقلل من ثقتك في قدراتك، ويغرقك في المزيد من الخوف والمماطلة.
*******************
التسويف الحميد:
أليس من العجيب أن نقول بعد كل هذا أن هناك نوعًا حميدًا من التسويف؟ .. هل يوجد بالفعل فائدة من التسويف والمماطلة؟ .. ربما .. هذا النوع من التسويف متعلقٌ فقط بتأجيل الأعمال غير الهامة أو الضرورية، تلك الأعمال المضيعة للوقت ولا تحمل من الأهمية ما يجعل فوات القيام بها مشكلة أو خطورة، بالعكس .. يمكننا اللجوء لهذا النوع من التسويف كأحد الحلول لإنجاز أعمالنا الهامة وأهدافنا ويستخدم في علاج مشكلة التسويف غير الحميد.
حل مشكلة التسويف:
من المعروف أنّ أول خطوات حل أي مشكلة هو الاعتراف بوجود المشكلة، لذا عليك أولًا قبل أي شيء أن تعترف بوجود مشكلة التسويف لديك، وتتعرف على أسبابه وأبعادها ومخاطرها بعدها سيكون من السهل إيجاد الحلول لتخرج بنفسك من هذا المأزق الخطير.
أغلب من يعانون من هذه المشكلة لديهم في الأساس مشكلة كبيرة في تنظيم حياتهم وأوقاتهم .. هناك فوضى كبيرة في حياتك الشخصية والمهنية .. لا يوجد خطط مسبقة ولا أهداف .. لذا من المهم جدًا بعد الاعتراف بالمشكلة، أن تبدأ فورًا في تعلم مهارات إدارة الوقت، هذا سيساعدك كثيرًا في التخلص من جزء كبير من مشكلة التسويف.
للتخلص من أي عادة سلبية ترسخت في نفوسنا مع الوقت، علينا تعلم عادة حسنة بالمقابل لتحل محلها .. لذا عليك تعلم بعض العادات الإيجابية لتساعدك في التخلص من التسويف.
خطوات هامة لعلاج التسويف:
وضع أهداف محددة
خذ ورقة وقلم واكتب الأهداف التي تريد تحقيقها ويجب أن تكون هذه الأهداف منطقية وقابلة للتحقيق والقياس.
حدد أولوياتك من هذه الأهداف وأكثرها أهمية وعاجلة التنفيذ واصنع قائمة بهذه الأهداف.
ضع قائمة بالمهام اليومية
من الأفضل أن تضع قائمة مهامك الخاصة باليوم التالي قبل ذهابك للنوم .. هذا يوفر الكثير من الوقت الضائع في التفكير فيما يتوجب عليك عمله بعد استيقاظك.
يجب أن تكون قائمة مرنة تحسبًا لأي طارئ، ومرتبة حسب أولويات مهامك وكل مهمة محددة لوقت بدايتها والانتهاء منها.
تقسيم المهام إلى أجزاء صغيرة
سبق وأشرنا أن الإنسان يشعر بعبء المهام الثقيلة وهذا يدفعه لاختلاق الأعذار للتهرب منها، لذا كل ما عليك فعله هو تقسيم أي مهمة تقوم بها إلى أجزاء صغيرة تقوم بها في وقتٍ قصير .. هذا سيرفع عن عقلك الشعور بالضغط، وستشعر بسهولة المهمة، وسيدفعك لتشعر بالإنجاز والتقدم في التنفيذ.
************************
تقنية الطماطم (Pomodoro Technique)
هي تقنية مشهورة لإدارة الوقت طورها الإيطالي فرانشيسكو سيريلو(Francesco Cirillo) وتعتمد على تقسيم وقت المهام إلى فترات قصيرة تصل إلى خمس وعشرين دقيقة يتخللها فترات راحة قصيرة من خمس إلى عشر دقائق وأهمية هذه التقنية تعود إلى أنّها وسيلة فعالة جدًا في تنظيم العمل وتنفيذ المهام وتساعد على إنجاز أكبر قدر من المهام المطلوبة كما أنّها تساعدك في التغلب على الحاجز النفسي الذي يسببه الشعور بحجم المهمة والوقت الطويل الذي ستتطلبه، كما أنّها تزيد من التركيز والاستيعاب.
تحسين البيئة المحيطة والتخلص من المشتتات
قبل أن تبدأ عملك يجب عليك تهيئة بيئة العمل، وتخلص من كل المشتتات التي يمكن أن تشغلك أو يتهرب إليها عقلك كالهاتف، ومواقع التواصل الاجتماعي، وغيرها ..
رتب بيئة عملك وتأكد من وجود كل ما تحتاج إليه جوارك حتى لا تضطر إلى ترك العمل والتشتت.
حرر نفسك من الخوف والتردد والرغبة في المثالية
من الجيد أن ترغب في إتقان عملك لكن لا تقع في فخ المثالية فهذا سيجعلك دائمًا في حالة من غير الرضا عن أدائك .. ثق في قدراتك وعملك لكن لا تبحث عن الكمال والمثالية.
ختامًا … التغيير يبدأ من الداخل
أول التغيير يبدأ بقرار حاسم مع النفس والرغبة الجادة في أن تصبح أفضل نسخة من نفسك، واكتساب العادات الإيجابية يتطلب عزيمة وانضباط وإصرار على المواصلة وتكرار للعادة حتى تترسخ .. ابدأ في الحال وانقذ وقتك وعمرك وقل وداعًا للتسويف والمماطلة.
*******************