بدايتي مع الكتابة لا ترجع إلى العام الذي بدأت فيه نشر أعمالي على الإنترنت ولا حتى تلك الفترة التي سبقته حين كنت أكتفي بإخراج أفكاري على الورق.
رحلتي بدأت قبل ذلك بكثير، رحلة استغرقت وقتًا طويلًا وكثيرًا من الأخطاء والعثرات، تعلمت فيها الكثير وما زلت أتعلم.
في هذا المقال أخبركم عن أشياء وددت لو عرفتها من قبل، وهي في الوقت ذاته نصائح لكل من بدأ الكتابة الإبداعية أو أي نوع من كتابة المحتوى ليتجنب هذه الأخطاء.
************************
************************
(1) لا تتردد
التردد،
أذكره أولًا، لأنّه دائمًا أول ما يخطر ببالي حين أُعدد الأخطاء، وربما لأنّه تسبب في تأخري لسنوات
التردد قد يكون سببه،
الخوف من عرض كتاباتك على القراء، وتعرضك للنقد.
أنت في بداياتك، لا تعرف إن كانت لديك ملكة الكتابة أم أنّك تتوهم، هل يستحق قلمك أن يتعرف عليه الآخرون؟
ربما أصدقاؤك يجاملونك أو ربما يعجبهم قلمك لكن من قال أنّه سيعجب البقية؟
الخوف من النقد والفشل يدفعك للتردد لكن الهرب ليس الحل.
لن تعرف أبدًا حتى تعرض قلمك على الآخرين وتعرف رأيهم فيه، ومؤكد ستجد في آرائهم ما يوجهك للتقدم.
وقد يكون ترددك مثلًا
خوفك من سرقة أفكارك.
أن تنشر أفكارك في فضاء الانترنت الفسيح حيث لا سيطرة على الآخرين ولا فكرة عن حماية الحقوق الفكرية وحيث كل شيء صار مباحًا ما دمت تركته هناك حرًا.
سرقة الأفكار لن تتوقف والسارق لا يريد أن يدرك أنّه فاشل، يمكنه السرقة مرة، مرتين وعشرة لكنّه أبدًا لن يكون مبدعًا، بينما صاحب الأفكار يملك ينبوعه الخاص ولن يتوقف عن الإبداع.
لذا إن كان هذا سببًا لترددك وخوفك لا تدعه يقيدك، اكتب أفكارك ودعها تصل لمن تؤمن أنّه يحتاجها، من يعلم؟ ربما تكون سببًا في تغير حياة أحدهم للأفضل.
************************
************************
(2) لا تتعجل… اعرف طريقك أولًا
قد تبدو مناقضة وتعارض ما سبقها لكنّها ليست كذلك. ما أقصده هنا هو أن تعمل على تطوير قلمك أولًا إذا كنت لم تجرب الكتابة من قبل.
قد تظن أنّك عبقري وأنّ أفكارك لا مثيل لها وسردك وأسلوبك الكتابي لا غبار عليه، لكن صدقني، رأيك لا يهم.
لا تتعجل النشر إن كنت لم تدرب يديك على الكتابة، وتتعرف على أساليبها المختلفة وتقرأ للعديد من الكُتاب المبدعين.
اقرأ في فن كتابة الرواية والقصة لتعرف الأساسيات، أو فن كتابة المقال أو أيًا كان النوع الأدبي الذي تريد الكتابة فيه.
بعد أن تدرب نفسك لفترة ابدأ بعرض ما كتبته على دائرة من المقربين الذين تثق بآرائهم، وافتح ذهنك لتقبل النقد لتعرف أين تكمن أوجه القصور لديك وتعرف ما عليك العمل على تطويره.
يمكنك بعدها عرض كتابات في المجموعات الخاصة بالأدب والقراءة واطلب آراء القراء، ستجد حتمًا ما يساعدك على التقدم أكثر، ولا تجعل الآراء السلبية تحبطك أو تجعلك تتوقف.
لا يعني هذا أن تتوقف عن الكتابة حتى تتعلم، افعل الاثنين معًا.
اكتب يوميًا وواصل تعلمك وتطويرك من نفسك واكتسب الخبرة كل يوم. واعلم أنّ هذا طريق مستمر ولا أحد كبير على الأخطاء حتى الخبراء في المجال.
************************
(3) الكتابة تتطور بالممارسة
هذا ما أدركته أثناء رحلتي مع الكتابة، حين أعود لأقارن كتاباتي القديمة بما وصلته اليوم، بل حين أقارن أسلوبي خلال أيام قليلة أجد فرقًا.
حين أقرأ ما كتبته قبل سنوات أضحك حقيقة وأتساءل كيف كنت أكتب بهذه السذاجة بل كيف أُعجب بها القراء وقتها.
بالطبع لا أكره ما كتبت، أعتز بكل ما خطّه قلمي وأسامح تلك النسخة غير الناضجة مني وأفخر بما وصلته وما أحققه كل يوم.
لماذا أندم لأنني اكتشفت هذا لا حقًا؟
لأنني أرى أنّه كان بإمكاني الوصول إلى مستوى أفضل بكثير لو أنني لم أتأخر ولم أضيع وقتًا طويلًا دون كتابة.
لذا عليك أن تكتب وتكتب بالإضافة إلى القراءة يوميًا وتحليل كتابات الآخرين وأساليبهم، كل هذا سيساهم في تطوير قلمك وأسلوبك الكتابي إلى حد كبير.
************************
************************
(4) النقد… النقد… والكثير من النقد.
ذكرت أن الخوف من النقد كان دافعًا للتردد.
وسأعترف هنا اعترافًا لا أحب الاعتراف به حتى لنفسي، أنا لا أحب النقد.
لا أعتقد أنّ أحدًا يحب عامة أن يتعرض للانتقاد أو أن يخبره أحد عيوبه خاصة أمام الآخرين.
أعترف أنّ النقد يحزنني حتى لو كان نقدًا بناءً، لماذا؟
لأنني حين بدأت الكتابة كانت داخلي وما زالت تلك الرغبة الساذجة في أن يحب الجميع ما أكتبه.
فكرة ساذجة أعترف، لكن حين تحب أفكارك وترغب في أن توصلها للآخرين فأنت لا بد ستشعر ببعض الإحباط والأسف لأنّها لم تلامس الكل كما كنت ترغب.
هل معنى هذا أنني أكره النقد أو أرفضه؟
لا، النقد مهم للغاية ولهذا علينا تقبله كدواء مر.
النقد البناء يأخذ بيدك في الطريق ويعرفك أوجه القصور التي لم تنتبه إليها أو انتبهت لكنك لم تظنها بالأهمية التي تحتاج للإصلاح.
وما أقصده هنا هو النقد المهذب الراغب بالفعل في توجيه النصيحة للكاتب، لا النقد الوقح أو المتعالي الذي يتقصد الانتقاص أو المهاجمة لا أكثر.
لا بأس إن لم تنل كتاباتك إعجاب الجميع، لا بأس إن فشلت في عمل ونجحت في آخر، المهم أن تستغل النقد لتصل بقلمك إلى مستوى أفضل مع كل يوم.
للقراء ذائقة مختلفة، ولا شيء في العالم أجمع البشر عليه. الأذواق الأدبية متنوعة ومختلفة وما يعجبك أنت نفسك قد لا يعجبك الآخرين والعكس.
يوميًا أستقبل الآراء في رواياتي ما بين معجب وكاره، هناك من يخبرني أنّه استمتع بكل التفاصيل ولم يشعر بلحظة ملل وهناك من أخبرني أنّ السرد كان طويلًا ومملًا ومكررًا.
هناك من أحب قلمي ويتابعني باستمرار وهناك من قرر أنّه لن يجرب القراءة لي مرة أخرى.
ما وصلت إليه هو…
لن يُجمع الكل على حب كتاباتي والأذواق المختلفة ستجعل آراءهم في قلمي تختلف بين الحب والكره لهذا…
كل ما عليّ فعله هو أن أكتب ما أحبه، أكتب ما أحب أن أقرأه، أُخرج القصة التي بداخلي وأرويها وأنا واثقة أنّها ستصل في النهاية للقارئ الذي سيجد صداها في نفسه.
لا داعي لأن يحبطني أي نقد مهما كان ما دام ملتزمًا بالاحترام والأدب، أما ذلك النوع الذي يدعي أنّه نقد لكنّه ليس إلا مجموعة من الإهانات المبطنة والاستخفاف والتعالي متوشحًا كذبًا بلباس النقد، فهذا النوع بعد تجارب وتدريب نفسي وصلت لقناعة وقرار أن أتجاهله تمامًا.
************************
************************
(5) المسودة الأولى ليست للقارئ
من أسوأ الأخطاء التي ارتكبتها والذي للأسف لم أتحقق وأعترف أنّه أضر قلمي ورواياتي كثيرًا إلا مؤخرًا.
بعد تجربة صعبة مع سلسلة الروايات التي كتبتها، لم يكن عليّ التسرع في نشر رواية لم تكتمل بعد ولم أتم مراجعتها جيدًا قبل تقديمها للقارئ.
نشري لروايتي الأولى على الفيسبوك كان قرارًا جيدًا وشجعني على إنهائها، لا أظنني كنت سأفعل لولا التفاعل معها وآراء القراء وانتظارهم للفصول.
كل هذا حفزني وساعدني في الاستمرار بالكتابة والانتهاء من الرواية بعد أن ظلت حبيسة عقلي لسنوات، أكتب منها كل حين جزءًا ثم أتكاسل ولا أكملها.
الخطأ وقع حين أنهيتها ولم أقم بمراجعتها ولست راضية أبدًا عن النسخة التي تم نشرها لأول مرة، كانت في حاجة لمراجعة قاسية وتعديل الكثير فيها.
سارعت بتحويلها لكتاب إلكتروني قام القراء بتحميله وقراءته، بالطبع هناك من أحبها وهناك من كرهها.
صحيح أنني قمت بمراجعة جديدة للرواية وصحيح أنني ما زلت غير راضية عن النسخة المعدلة مع كونها أفضل من الأولى، ما زالت النسخة القديمة تطاردني ككابوس لأنّها ما زالت مُتاحة للتحميل والقراءة.
المسودة الأولى لك أنت وليس للقارئ.
وكما يقول الكاتب (تيري براتشيت) المسودة الأولى ليست إلا حكايتك القصة لنفسك.
روايتي الحالية والتي هي الثالثة في سلسلة روايات طويلة، للأسف أعرضها للقراءة لحظة كتابتها وهذا بالطبع كان له أثر سلبي.
الكثير من الأشياء تتغير مع كتابة الرواية، هناك تطور في الشخصيات قد تخرج عن إطار ما خططت له، هناك مشاهد قد تجدها مع المراجعة غير منطقية وتحتاج للتعديل أو الحذف.
ومهما كان التخطيط الذي قمت به لروايتك جيدًا، فحتمًا مع الكتابة ستجد ما يطرأ على الأحداث.
ولأن الكتابة تتم على فترات طويلة يحدث أن يقع بعض التكرار في سرد بعض الأحداث أو إعادة وصف للمشاعر أو الأحاديث الداخلية للأبطال.
كل هذا لا تنتبه له إلا في القراءة الثانية للعمل ولو أنّك عرضت المسودة الأولى دون مراجعتها فإن من سيقرأها كاملة خلال أيام سيلاحظ التكرار ولن يغفل الأخطاء الموجودة في النص.
لذا أكرر… المسودة الأولى ليست للقارئ.
تعلمت هذا بالطريقة الصعبة لذا اتخذت قرارًا حاسمًا أنني لن أعرض رواية أو قصة إلا بعد الانتهاء منها ومراجعتها والتأكد من تنقيحها من الأخطاء.
************************
هذه بعض الأشياء التي كنت أود لو عرفتها قبل أن أبدأ رحلتي مع الكتابة، كنت تلافيت الكثير من الأخطاء التي وقعت فيها.
هناك المزيد لكن سيطول هذا المقال إن ذكرتها كلها، لذا ربما في مقال لاحق أشارككم إياها لتتجنبوها بدوركم.
وحتى ذلك الحين، رحلة كتابية ممتعة.
************************